تحقيقات وتقاريرمقالات

صلاح رشاد .. يكتب : الملك العضوض .. والأثمان الباهظة (3)

معاوية الثاني يربك حسابات بني أمية

بعد هلاك يزيد، تولي إبنه الأكبر معاوية وكان ولي عهد أبيه، ويطلق عليه معاوية الثاني وكان في الحادية والعشرين من عمره وكان من صالحي بني أمية .. ويبدو أنه في قرارة نفسه لم يكن راضيا عما فعله أبوه من قتل آل بيت رسول الله واستباحة مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم.

واختلف المؤرخون في مدة خلافته، فالمقلل قال 3 أسابيع والمكثر قال ثلاثة أشهر، وكان مريضا لم يباشر أي عمل خلال مدة خلافته القصيرة، وكان يصلي بالناس ويصرف الأمور الضحاك بن قيس والي دمشق.

وعندما أحسَّ معاوية بالموت، خَطَبَ بالناس في صلاة الجمعة قائلاً: أيها الناس إني قد وُليتُ أمركم وأنا ضعيفٌ عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي، وإن شئتم تركتها شورى، ثمَّ نزل ودخل بيته، ولم يخرج حتى توفي رحمه الله، وكان معاوية الثاني صادقًا مع نفسه ومع الناس، فيروي ابن كثير في البداية والنهاية أن معاوية بن يزيد بعد أن صلَّى على أبيه، و دفنه، أقبل عليه الناس وبايعوه بالخلافة فنادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطب فيهم فكان مما قال: أيها الناس، إني قد وليت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي، كما تركها الصديق أبو بكر، لعمر بن الخطاب، وإن شئتم تركتها شورى في ستة كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت أمركم فولُّوا عليكم من يصلح لكم، ثم نزل ودخل منزله، فلم يخرج حتى مات رحمه الله تعالى.

ورفض معاوية أن يعهد لأحد من أهل بيته حينما قالوا له: اعهد إلى أحد من أهل بيتك، فقال: والله ما ذُقت حلاوة خلافتكم، فكيف أتقلد وزرها وتتعجلون أنتم حلاوتها، وأتعجل مرارتها؟اللهم إني بريء منها متخلٍّ عنها.

ومثلما اختلف المؤرخون في مدة خلافته فإنهم اختلفوا أيضا في موته فهناك أقاويل بأنه مات مسموما .. وهذا الرأي له وجاهته خاصة أن تنازله ترك فراغا في السلطة، وهدد بضياع ملك بني أمية وهذا الفراغ في السلطة إستغله بسرعة عبدالله بن الزبير الذي لم يكن بايع يزيد بن معاوية أو إبنه معاوية الثاني.

وكان الحصين بن نمير قائد جيش يزيد الذي كان يحاصر مكة عندما علم بهلاك يزيد عرض علي ابن الزبير الخلافة شريطة أن يأتي معه إلي الشام لتظل دمشق حاضرة الخلافة، لكن عبد الله رفض وأضاع فرصة ذهبية من الفرص الكثيرة التي جاءته ولم يستثمرها، ليثبت أن الرجل الشجاع في الحروب ليس بالضروري أن يكون ذكيا في السياسة أو خبيرا بدروبها ودهاليزها.

ورغم ذلك كادت الأمور تحسم لابن الزبير لولا قراره المتسرع وغير المدروس بطرد بني أمية ونفيهم من المدينة عندما أمر واليه علي المدينة عبدالله بن مطيع أن يطرد بني أمية منها، وكانت سقطة كبري أدرك أبعادها سريعا عبد الملك بن مروان الداهية بن الداهية وكان وقتها مريضا بالجدري فطالب أباه أن يسرعوا بالرحيل إلي الشام موطن قوة بني أمية، ولم يكن يدري عبد الله بن الزبير أن قراره المتسرع سيفتح أبواب الملك والسلطان لمروان بن الحكم وسيمنحه فرصة ذهبية لإنقاذ ملك بني أمية من الزوال وتأسيس دولة له ولأولاده وأحفاده ظلت قائمة بعد موت مروان ب67 عاما حتي سقطت علي أيدي العباسيين.

لكن نقل الملك الأموي من البيت السفياني إلي البيت المرواني لم يكن سهلا وإنما إحتاج الي مناورات ومواءامات وتوازنات ومؤامرات أيضا وكان مروان وابنه عبدالملك يجيدان اللعب علي هذه الأوتار، في مرحلة فتنة واضطرابات إحتاجت إلي كل الوسائل الشريفة وغير الشريفة لتحقيق النصر فيها.

فماذا فعل مروان وكيف نجح في نقل ملك بني أمية من البيت السفياني إلي بيته ،وكيف جعل ولاية العهد في ولديه عبدالملك وعبدالعزيز ؟

نجيب عن كل ذلك في الحلقة المقبلة إن شاء الله.

Follow us on Google News Button

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى